جديد

 ٣٦- أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ يَشْكُو إلَيْهِ خُلُقَ زَوْجَتِهِ ...

on الثلاثاء، 4 مارس 2014

السؤال:
هل ثبت أن زوجة عمر رضي الله عنه كانت ترفع صوتها، فيسكت عنها، ويصبر عليها؟ أفيدوني يرحمكم الله في صحة الخبر المنتشر في الآونة الأخيرة على الإنترنت، وفيه أن رجلا غضب من زوجته؛ لأنها ترفع صوتها عليه، فذهَب إلى عمر بن الخطاب ليشكوها، وعندما وصل وهم بطرق الباب، سمع زوجة عمر صوتها يعلو على صوته! فرجع يجر أذيال الخيبة، فما صحة هذا الخبر؟ وإذا صح: فهل يستدل به على جواز رفع صوت الزوجة على زوجها؟


الجواب:
الحمد لله
أولا: هذه القصة والتي مفادها أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ يَشْكُو إلَيْهِ خُلُقَ زَوْجَتِهِ، فَوَقَفَ بِبَابِهِ يَنْتَظِرُهُ فَسَمِعَ امْرَأَتَهُ تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِلِسَانِهَا وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَرُدُّ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ قَائِلًا: إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَيْفَ حَالِي؟ فَخَرَجَ عُمَرُ فَرَآهُ مُوَلِّيًا فَنَادَاهُ: مَا حَاجَتُك يَا أَخِي؟ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جِئتُ أَشْكُو إلَيْك خُلُقَ زَوْجَتِي وَاسْتِطَالَتَهَا عَلَيَّ، فَسَمِعْتُ زَوْجَتَكَ كَذَلِكَ فَرَجَعْت وَقُلْت: إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَكَيْفَ حَالِي؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنَّمَا تَحَمَّلْتُهَا لِحُقُوقٍ لَهَا عَلَيَّ: إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي، خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي، غَسَّالَةٌ لِثِيَابِي، رَضَّاعَةٌ لِوَلَدِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا، وَيَسْكُنُ قَلْبِي بِهَا عَنْ الْحَرَامِ، فَأَنَا أَتَحَمَّلُهَا لِذَلِكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ زَوْجَتِي؟ قَالَ: فَتَحَمَّلْهَا يَا أَخِي فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ. (فهذه القصة لم نجد لها أصلا)، ولا وجدنا أحدا من أهل العلم بالحديث تكلم عليها بشيء، وإنما ذكرها الشيخ سليمان بن محمد البجيرمي الفقيه الشافعي في "حاشيته على شرح المنهج" (٣/ ٤٤١-٤٤٢)، كما ذكرها أيضا أبو الليث السمرقندي الفقيه الحنفي في كتابه "تنبيه الغافلين" (ص: ٥١٧)، وكذا ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (٢/٨٠)، ولم يذكر واحد منهم إسنادها، بل صدروها كلهم بصيغة التمريض التي تفيد التضعيف عادة: "ذُكر أن رجلا"، "رُوي أن رجلا"، وهذا مما يدل على أن القصة لا تصح، ويؤيد ذلك ما يلي:
- مخالفتها للمشهور عن عمر رضي الله عنه في سيرته من كونه كان مهابا في الناس، فكيف بزوجاته؟ وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له" رواه البخاري (٤٩١٣) ومسلم (١٤٧٩)، وقال عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: "شَهِدْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ طُعِنَ فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَكُونَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ إِلَّا هَيْبَتُهُ، وَكَانَ رَجُلًا مَهِيبًا" "حلية الأولياء" (٤/١٥١).
- رفع صوت زوجة عمر عليه رضي الله عنهما حتى يسمعها من بالخارج وهو ساكت منكَر غير محتمل، والذي يعرف حال أمير المؤمنين ينكر ذلك بالقطع، وهو الذي كان يخاف الشيطان منه، ولو سلك فجا لسلك الشيطان فجا غير فجه، ورَفْعُ النساء أصواتهن واستطالتهن على أزواجهن لا يعرف في السلف.
- قوله: "إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي، خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي، غَسَّالَةٌ لِثِيَابِي، رَضَّاعَةٌ لِوَلَدِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا" قول غير صحيح، وخدمة المرأة زوجها واجبة عليها بالمعروف، وخاصة الرضاع ، فإنه يجب عليها إرضاع أولادها إذا كانت في عصمة زوجها بلا أجرة.

والخلاصة: أن هذه القصة لا أصل لها، ومتنها ينادي عليها بالنكارة وعدم الصحة، وعلى ذلك: فلا يصح الاستدلال بها على جواز رفع الزوجة صوتها على زوجها.


ثانيا: رفع الزوجة صوتها على زوجها من سوء الأدب وسوء العشرة، فلا يجوز ذلك.

سئل الشيخ ابن عثيمين: ما حكم الزوجة التي ترفع صوتها على الزوج في أمور حياتهم الزوجية؟

فأجاب رحمه الله تعالى: "نقول لهذه الزوجة إن رفع صوتها على زوجها من سوء الأدب؛ وذلك لأن الزوج هو القوام عليها وهو الراعي لها، فينبغي أن تحترمه وأن تخاطبه بالأدب؛ لأن ذلك أحرى أن يؤدم بينهما وأن تبقى الألفة بينهما، كما أن الزوج أيضاً يعاشرها كذلك، فالعشرة متبادلة، قال الله تبارك وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}، فنصيحتي لهذه الزوجة أن تتقي الله عز وجل في نفسها وزوجها، وأن لا ترفع صوتها عليه لا سيما إذا كان هو يخاطبها بهدوء وخفض الصوت" انتهى من"فتاوى نور على الدرب" (١٩/ ٢) -بترقيم الشاملة-، والله تعالى أعلم.

[المصدر: (موقع الإسلام سؤال وجواب)]

0 التعليقات: